فصل: الفصل الثاني: تقديم ما يجب تقديمه لتبيين الكلام في أغلاط البصر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المناظر (نسخة منقحة)



.المقالة الثالثة: أغلاط البصر فيما يدركه على استقامة وعللها:

.الفصل الأول: صدر المقالة:

قد تبين في المقالة الأولى والثانية كيف يدرك البصر المبصرات على ما هي عليه إذا كان إدراكه لها على استقامة، وكيف يتحقق صورة المبصر، وكيف يدرك كل واحد من المعاني الجزئية على ما هي عليه وكيف يتحققه. وليس كل مبصر يدركه البصر على ما هو عليه، ولا كل معنى يدركه البصر ويتخيل الناظر أنه قد أدرك حقيقته يكون مصيباً في إدراكه وفي تخيله. بل قد يغلط البصر في كثير مما يدركه من المبصرات ويدركها على خلاف ما هي عليه، وربما أحس بغلطه في حال غلطه وربما لم يحس بغلطه وظن أنه مصيب ويكون غالطاً. وذلك أن البصر إذا أدرك مبصراً من المبصرات، وكان على بعد متفاوت، فإنه يدرك مقدار أصغر من مقداره الحقيقي، وإذا كان المبصر قريباً جداً من البصر أدرك مقداره أعظم من مقداره الحقيقي، وإذا أدرك البصر شكلاً مربعاً أو كثير الأضلاع من البعد المتفاوت أدركه مستديراً إذا كان متساوي الأقطار ومستطيلاً إذا كان مختلف الأقطار، وإذا أدرك الكرة من البعد المتفاوت أدركها مسطحة. وأمثال هذه المعاني كثيرة وكثيرة الأنواع. وجميع ما يدركه البصر على هذه الصفة فهو غالط فيه.
وأيضاً فإن البصر إذا نظر إلى كوكب من الكواكب فإنه يدركه في الحال ساكناً والكوكب مع ذلك متحرك. وإذا رجع الناظر إلى عمله علم أن الكوكب متحرك في حال نظره إليه، فإذا ميز الناظر هذا المعنى أحس في الحال أنه غالط فيما يدركه من سكون الكوكب. وإذا نظر الناظر إلى شخص من الأشخاص التي على وجه الأرض من بعد متفاوت، وكان ذلك الشخص متحركاً حركة بطيئة مسرفة البطء ولم يطل النظر إليه في حال نظره إليه، يدركه ساكناً. وإذا لم يتقدم علم الناظر بحركة ذلك الشخص، ولم يلبث زماناً طويلاً في مقابلته، فليس يعلم في الحال أنه غالط فيما يدركه من سكون ذلك الشخص، فيكون في إدراكه ما هذه صفته غالطاً ومع ذلك يحس بغلطه. فقد يعرض للبصر الغلط في كثير مما يدركه من المبصرات وربما أحس بغلطه وربما لم يحس به.
وإذ قد تبين في المقالتين المتقدمتين كيف يدرك البصر المبصرات على ما هي عليه، وقد تبين مما ذكرناه في هذا الفصل أن البصر قد يعرض له الغلط في كثير مما يدركه من المبصرات، فقد بقي أن نبين لم يعرض للبصر الغلط ومتى يعرض له الغلط وكيف يعرض له الغلط. ونحن نقصر هذه المقالة على الكلام في أغلاط البصر فيما يدركه على الاستقامة، ونبين العلل التي من أجلها يعرض للبصر الغلط، وإلى كم نوع تنقسم أنواع الغلط، ونبين كيف يعرض الغلط في كل نوع من أنواع الغلط، ونقدم ما يجب تقديمه لتبيين الكلام في الأغلاط.

.الفصل الثاني: تقديم ما يجب تقديمه لتبيين الكلام في أغلاط البصر:

قد تبين في المقالة الأولى أن البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات إلا من سموت خطوط الشعاع، وأن المبصرات وأجزاء كل واحد من المبصرات إنما يدرك البصر ترتيبها من ترتيب خطوط الشعاع. وقد تقدم أيضاً أن المبصر الواحد الذي يدرك بالبصرين معاً إنما يدرك واحداً إذا كان وضعه من البصرين جميعاً وضعاً متشابهاً، وإذا كان وضع المبصر الواحد من البصرين وضعاً مختلفاً فإن الناظر إليه يدركه اثنين، والمبصرات المألوفة التي تدرك دائماً بالبصرين معاً ليس يدرك الواحد منها إلا واحداً. وإذا كان ذلك كذلك فيجب أن نقرر كيف يدرك المبصر الواحد بالبصرين معاً واحداً في أكثر الأوقات وعلى أكثر الأوضاع، وكيف يكون وضع المبصر الواحد من البصرين في أكثر الأوقات وعلى أكثر الأوضاع وضعاً متشابهاً، ونبين أيضاً كيف يكون وضع المبصر الواحد من البصرين وضعاً مختلفاً ومتى يقع ذلك. وقد ذكرنا هذا المعنى في المقالة الأولى وبيناه بقول مجمل ونحن الآن نفصل هذا المعنى ونلخصه، ونبين أيضاً كيف نعتبر هذه المعاني اعتباراً يقع معه اليقين، فنقول: إن الناظر إذا نظر إلى مبصر من المبصرات فإن كل واحد من البصرين يلحظ ذلك المبصر، وإذا حدق الناظر إلى ذلك المبصر فإن كل واحد من البصرين يحدق إلى ذلك المبصر تحديقاً متشابهاً متساوياً، وإن تأمل الناظر المبصر فإن كل واحد من البصرين يتأمل ذلك المبصر بالسواء، وإذا تحرك البصر على المبصر لتأمله فإن البصرين جميعاً يتحركان عليه ويتأملانه.
وإذا حدق الناظر إلى المبصر فإن سهمي البصرين يجتمعان على ذلك المبصر ويلتقيان على نقطة من سطحه. وإن تأمل الناظر ذلك المبصر فإن السهمين يتحركان معاً على سطح ذلك المبصر ويمران معاً بجميع أجزاء المبصر.
وبالجملة فإن البصرين متساويان في جميع أحوالهما، والقوة الحساسة التي فيهما واحدة، وفعلهما وانفعالهما أبداً متساو ومتشابه. فإذا تحرك أحد البصرين للإبصار، فإن البصر الآخر يتحرك لذلك الإبصار بعينه مثل تلك الحركة بعينها، وإن سكن أحد البصرين سكن الآخر. وليس يمكن أن يتحرك أحد البصرين الإبصار ويسكن الآخر، ولا يعتمد أحد البصرين النظر إلى مبصر من المبصرات ولا يعتمد البصر الآخر النظر إلى ذلك المبصر، إلا يعوق أحدهما عائق أو يستره ساتر أو يعرض له عارض، فيعتاق بذلك العارض أو الساتر عن فعل ما يفعله البصر الآخر. وإذا تؤملت حال البصرين عند إدراك المبصرات وتفقدت أفعالهما وحركاتهما أبداً متساوية متشابهة.
وقد تبين فيما تقدم أن بين كل مبصر من المبصرات وبين مركز البصر في حال الإبصار مخروطاً متوهماً رأسه مركز البصر وقاعدته سطح المبصر الذي يدركه البصر. غير أن هذا المخروط يشتمل على جميع السموت التي منها يدرك البصر ذلك المبصر، فإذا التقى سهما البصرين على نقطة من سطح المبصر الذي يلي البصرين فإن سطح المبصر تكون قاعدته مشتركة لمخروطي الشعاع المتشكلين بين مركزي البصرين وبين ذلك المبصر، ويكون وضع النقطة التي التقى عليهما السهمان عند البصرين جميعاً وضعاً متشابهاً، لأنها تكون مقابلة لوسطي البصرين، والسهمان اللذان بينها وبين البصرين هما عمودان على سطحي البصرين وعلى سطحي البصرين. فأما بقية سطح المبصر فإن كل نقطة منه يكون بينها وبين مركزي البصرين وضعهما بالقياس إلى السهمين وضع متشابه في الجهة، أعني أن كل خطين متوهمان بين مركزي البصرين وبين نقطة من سطح المبصر الذي التقى عليه سهما البصرين يكونان جميعاً مائلين عن السهمين إلى جهة واحدة بعينها، ونقطة الالتقاء هي على كل واحد من السهمين. فأما أبعاد هذه الخطوط عن السهمين فإن النقط القريبة جداً من نقطة الالتقاء يكون كل خطين يخرجان من مركزي البصرين إلى كل نقطة منها بعدهما عن السهمين بعداً متساوياً بالقياس إلى الحس. وذلك أن السهمين الخارجين إلى نقطة الالتقاء يكونان متساويين وليس بينهما اختلاف محسوس إذا لم يكن المبصر قريباً جداً من البصر وكان بعده عن البصر من الأبعاد المعتلة. وكذلك يكون حال كل نقطة قريبة جداً من نقطة الالتقاء، يكون كل خطين يخرجان من مركزي البصرين إلى كل نقطة منها ليس بين طولهما اختلاف متفاوت بالقياس إلى الحس، وربما كانا متساويين. أما إذا كان الخطان المائلان في السطح الذي فيه السهمان فإنهما يكونان مختلفين. وذلك أن الخط الذي يخرج من النقطة التي يلتقي عليهما السهمان إلى النقطة المائلة عنها يحيط مع السهمين بزاويتين مختلفتين، والسهمان متساويان، والخط الواصل بين النقطتين مشترك، فالخطان المائلان مختلفان. إلا أن هذا الاختلاف ليس يؤثر في الحس إذا كانت النقطة المائلة قريبة من نقطة الالتقاء. وإن كان الخطان المائلان تحت السهمين أو فوقهما فقد يكونان متساويين، لأنه قد تكون الزاويتان اللتان يحيط بهما السهمان مع الخط الواصل بين النقطتين المتساويتين إذا كانت النقطة تحت السهمين أو فوقهما. والأوضاع التي بين هذين الوضعين يكون الاختلاف الذي ين الخطين المائلين عليهما أقل من الاختلاف الذي بين الخطين الأولين المائلين، فلا يكون بين أطوالهما تفاوت يؤثر في الحس.
فالخطان اللذان يخرجان من مركزي البصرين إلى النقطة القريبة من النقطة التي التقى عليها السهمان ليس يكون بين طوليهما اختلاف مؤثر في الحس، والسهمان متساويان، والخط الذي يصل بين نقطة الالتقاء وبين النقطة المائلة التي يخرج إليها الخطان من المركزين مشترك للمثلثين اللذين يحدثان من هذه الخطوط، فالزاويتان اللتان تحدثان عند مركزي البصرين اللتان يوترهما عند سطح المبصر الخط المشترك تكونان متساويتين أو ليس بينهما اختلاف محسوس. وهاتان الزاويتان تكونان أبداً صغيرتين جداً إذا كانت النقطة قريبة جداً من التقاء السهمين.
وإذا كان الخطان اللذان يخرجان إلى كل نقطة قريبة من نقطة الالتقاء يحيطان مع السهمين بزاويتين متساويتين، فبعد كل خطين يخرجان إلى نقطة واحدة بعينها من النقط القريبة من نقطة الالتقاء عن سهمي البصرين بعد متساو.
وإذا كان ذلك كذلك فكل نقطة من سطح المبصر الذي يلتقي عليه سهما البصرين، إذا كانت قريبة من نقطة الالتقاء، فإن وضعها من البصرين جميعاَ وضع متشابه في البعد عن السهمين. فأما النقط البعيدة عن نقط الالتقاء، المائلة إلى جهة واحدة عن السهمين جميعاً، فإن الزاويتين اللتين تحدثان بين الخطين اللذين يخرجان إلى النقطة الواحدة منها وبين السهمين ربما اختلفا اختلافاً له قدر. وكلما كانت هذه حاله من النقط البعيدة من نقطة الالتقاء فإن وضعها من البصرين جميعاً وضع متشابه في الجهة فقط وليس بالمتشابه بالبعد عن السهمين. فالمبصر الذي يدرك بالبصرين معاً، إذا كان مقتدر الحجم ومتقارب الأقطار وليس بفسيح الأقطار، فإن وضع كل نقطة منه عند البصرين وضع متشابه في الجهة وفي البعد معاً، فصورته تحصل في البصرين في موضعين متشابهي الوضع من البصرين. وإذا كان المبصر الذي يدرك بالبصرين فسيح الأقطار فإن النقطة منه التي يلتقي عليها السهمان يكون وضعها من البصرين وضعاً متشابهاً، وكلما قرب منها من النقط التي في سطح ذلك المبصر فإن وضع كل نقطة منها من البصرين أيضاً وضع متشابه في الجهة وفي البعد معاً، وكلما كان من النقط التي في سطح ذلك المبصر بعيداً عن نقطة الالتقاء ومائلاً عن السهمين جميعاً إلى جهة واحدة فإن وضع كل نقطة منها عن البصرين وضع متشابه في الجهة وربما تشابه في البعد أيضاً وربما لم يتشابه في البعد. فصور الجزء الذي عند موضع الالتقاء، أعني السهمين، من المبصر الذي بهذه الصفة وما كان محيطاً بنقطة الالتقاء منه وفي تناء منها تحصل في موضعين من البصرين متشابهي الوضع في جميع الأحوال، وتحصل صورة الأجزاء الباقية البعيدة عن نقطة الالتقاء المحيطة بالجزء المتشابه الوضع متصلة بصورة الجزء المتشابه الوضع، فتحصل جملة الصورتين في موضعين من البصرين ليس بينهما في الوضع اختلاف متفاوت، بل يكون الاختلاف، إذا كان، فهو بين أطرافهما فقط ويكون يسيراً من أجل اتصال الأطراف بالوسطين المتشابهي الوضع، هذا ما دام البصران ثابتين في مقابلة المبصر والسهمان ثابتين على نقطة واحدة منه. فإذا تحرك البصران على المبصر وانتقل السهمان من تلك النقطة وتحركا معاً على أقطار ذلك المبصر، فإن كل نقطة من ذلك المبصر يصير وضعها ووضع النقط القريبة منها من المبصرين عند التقاء السهمين عليها وضعاً متشابهاً في غاية التشابه، وتصير صورة كل جزء من المبصر عند حركة السهمين على سطح المبصر في موضعين متشابهي الوضع من البصرين، وتصير صورة جميع أجزاء المبصر عند الحركة والتأمل متشابهة الحال عند البصرين جميعاً.
وكذلك أيضاً إذا كان البصر يدرك مبصرات متفرقة في وقت واحد معاً، والتقى السهمان على واحد منها وثبتا عليه، وكان المبصر الذي التقى عليه السهمان متقارب الأقطار، فإن صورة ذلك المبصر تحصل في موضعين من البصرين متشابهي الوضع. وكلما قرب من ذلك المبصر أيضاً من المبصرات إذا كان صغير الحجم ولم يكن فسيح الأقطار فإن صورته تحصل في موضعين من البصرين ليس بين وضعيهما اختلاف محسوس. وما كان من المبصرات بعيداً عن المبصر الذي عليه السهمان، وكان البصران جميعاً يدركان ذلك المبصر، فإنه ما دام السهمان ثابتين على ذلك المبصر فإن صورة المبصر البعيد منه تحصل في موضعين من البصرين متشابهي الوضع في الجهة فقط وليس بمتشابهي الوضع في البعد، وليس جميع أجزائهما متشابهة الوضع في البعد عن السهمين، فتكون صورة ما هذه حاله من المبصرات ملتبسة وغير محققة. ثم إذا تحرك البصران وتحرك السهمان والتقيا على كل واحد من المبصرات التي أدركت معاً، فإن صورة كل واحد منها تحصل في موضعين متشابهي الوضع من البصرين في الجهة وفي البعد معاً، وعند ذلك تتحقق صورة كل واحد من تلك المبصرات.
وقد يلتقي سهما البصرين على مبصر من المبصرات ويدرك البصران مع ذلك مبصراً آخر ويكون وضع ذلك المبصر الآخر من البصرين وضعاً مختلفاً في الجهة. وذلك إذا كان المبصر الآخر أقرب إلى البصرين من المبصر الذي التقى عليه السهمان وكان مع ذلك فيما بين السهمين، أو كان أبعد عن البصرين من المبصر الذي التقى عليه السهمان، وكان أيضاً فيما بين السهمين إذا توهما ممتدين بعد التقائهما، وكان المبصر الذي التقى عليه السهمان لا يستر المبصر الذي هو أبعد منه أو يستر بعضه.
فعلى هذه الصفات يكون إدراك المبصرات بالبصرين جميعاً.
وأيضاً فإنه قد تبين في المقالة الثانية أن سم الشعاع في كل واحد من البصرين هو خط واحد بعينه لا يتغير، وأنه يمر بمراكز جميع طبقات البصر، وأنه ممتد على استقامة إلى وسط موضع الانحناء من تجويف العصبة التي العين مركبة عليها الذي هو عند الثقب الذي في مقعر العظم، وأنه لازم لجميع المراكز وغير مفارق لها، وأن وضعه من جميع أجزاء البصر أبداً وضع واحد لا يتغير في حال حركة البصر ولا في حال سكونه، وان وضع السهمين من البصرين وضع متشابه. وقد تبين أيضاً أن وضع كل جزئ ين متشابهي الوضع من البصرين عند تجويف العصبة المشتركة الذي منه يدرك الحاس الأخير صور المبصرات وضع متشابه. فلنتوهم خطاً مستقيماً يصل بين مركزي الثقبين اللذين في مقعري العظمين المحيطين بالعينين، ونتوهم خطين خارجين من مركزي ثقبي العظمين ممتدين في وسطي تجويفي العصبتين، فهما يلتقيان في وسط تجويف العصبة المشتركة، ويكون وضع هذين الخطين من الخط الذي يصل بين مركزي الثقبين وضعاً متشابهاً، لأن وضعي العصبتين من الثقبين وضع متشابه، فتكون الزاويتان اللتان تحدثان بين هذين الخطين وبين الخط الذي يصل بين مركزي الثقبين متساويين.
ولنتوهم الخط الذي يصل بين مركزي الثقبين مقسوماً بنصفين، ونتوهم خطاً خارجاً من النقطة التي في وسط تجويف العصبة المشتركة التي التقى عليها الخطان الممتدان في تجويفي العصبتين ممتداً إلى النقطة القاسمة للخط الواصل بين مركزي الثقبين بنصفين، فيكون هذا الخط عموداً على الخط الواصل بين مركزي الثقبين. وليتوهم هذا العمود ممتداً على استقامة إلى خارج في الجعة المقابلة للبصر، فيكون هذا الخط ثابتاً على حال واحدة لا يتغير وضعه، لأن النقطة التي في وسط تجويف العصبة المشتركة التي التقى عليها الخطان الممتدان في وسطي تجويفي العصبتين واحدة لا تتغير. والنقطة التي تقسم الخط الواصل بين مركزي الثقبين هي أيضاً نقطة واحدة لا تتغير. فوضع الخط المستقيم المار بهما وضع واحد لا يتغير. فلنسم هذا الخط السهم المشترك.
ولنتوهم عند نقطة من هذا الخط في الجهة المقابلة للبصرين مبصراً من المبصرات، ولنتوهم البصرين ناظرين إلى ذلك المبصر، ولنتوهم سهمي البصرين قد التقيا على النقطة من سطح المبصر التي عليها لقي السهم المشترك سطح ذلك المبصر فإن ذلك ممكن في كل مبصر يكون وضعه من البصرين وضعاً متشابهاً. وإذا التقى السهمان على نقطة من السهم المشترك صار السهمان والسهم المشترك والخط الذي يصل بين مركزي ثقبي العظمين والخطان الممتدان في تجويفي العصبتين جميعهما في سطح واحد، لأن السهمين يمران بمركزي الثقبين في موضع انخراط العصبتين، فإذا التقى السهمان على السهم المشترك كانا جميعاً في السطح الذي فيه السهم المشترك والخط المقاطع له الذي يصل بين مركزي ثقبي العظمين، ويكون السهمان من لدن مركزي الثقبين إلى نقطة الالتقاء التي على السهم المشترك متساويين ويكون وضعهما من السهم المشترك وضعاً متشابهاً، ويكون القسمان من السهمين اللذان من مركزي البصرين إلى نقطة الالتقاء متساويين، لأن بعد مركزي البصرين من ثقبي العظمين ومن مركزي الثقبين بعد متساو، ويكون القسمان من السهمين اللذان من سطحي البصرين إلى نقطة الالتقاء أيضاً متساويين، لأن نصفي قطري كرتي البصر متساويان. ولأن جميع ذلك كذلك يكون وضع النقطة من سطح المبصر التي التقى عليهما السهمان من النقطتين اللتين يمر بهما السهمان من سطحي البصرين وضعاً متشابهاً وبعدها عنهما بعداً متساوياً. وهاتان النقطتان من سطحي البصرين هما اللتان تحصل فيهما صورتا النقطة التي التقى عليهما السهمان.
وأيضاً فإن وضع كل واحدة من النقطتين اللتين على السهمين من سطحي البصرين عند تجويف العصبة المشتركة وضع متشابه، ووضع هاتين النقطتين من كل نقطة على السهم المشترك وضع متشابه، فوضع النقطتين اللتين على السهمين من سطحي البصرين عند النقطة من السهم المشترك التي في وسط تجويف العصبة المشتركة التي التقى عليها الخطان الخارجان من مركزي الثقبين وضع في غاية التشابه والتساوي. فالصورتان اللتان تحصلان في النقطتين من سطحي البصرين اللتين على السهمين إذا انتهتا إلى تجويف العصبة المشتركة فإنهما تحصلان جميعاً في النقطة التي على السهم المشترك التي في وسط تجويف العصبة المشتركة التي التقت عليها الخطوط وتصيران نقطة واحدة.
فإذا حصلت الصورتان اللتان في النقطتين اللتين على السهمين من سطحي البصرين في النقطة التي على السهم المشترك التي في وسط تجويف العصبة المشتركة، فالصور التي في النقط المحيطة بكل واحدة من النقطتين اللتين على السهمين من سطحي البصرين تحصل في تجويف العصبة المشتركة في النقط المحيطة بالنقطة التي على السهم المشترك. وكل نقطتين من سطحي البصرين وضعهما من النقطتين المتوسطتين اللتين على السهمين من البصرين وضع متشابه في الجهة وفي البعد فإن وضعهما من نقطة واحدة بعينها من تجويف العصبة المشتركة وضع متشابه. والنقط التي وضعها منها وضع متشابه تكون مائلة عن النقطة التي على السهم المشترك التي في موضع التقاء الخطوط من تجويف العصبة المشتركة في الجهة التي النقطتان جميعاً اللتان في سطحي البصرين مائلين إليها، وبعدها عنها بحسب بعدهما عن السهمين. والصورتان اللتان تحصلان في النقطتين المتشابهتي الوضع من سطحي البصرين تنتهيان إلى تينك النقطة الواحدة بعينها من تجويف العصبة المشتركة، وتنطبق الصورتان إحديهما على الأخرى عند تلك النقطة وتصيران صورة واحدة. والنقط من سطح المبصر التي حوالي النقطة التي على السهم المشترك وضع كل واحد منها من سهمي البصرين وضع متشابه، فصورة كل نقطة منها تحصل في البصرين في موضعين متشابهي الوضع بالقياس إلى النقطتين اللتين هما في البصرين في موضعين متشابهي الوضع بالقياس إلى النقطتين اللتين هما على السهمين من سطحي البصرين. فالمبصر الذي يلتقي عليه السهام الثلاثة تحصل صورتاه في وسطي سطحي البصرين، وتحصل صورتا النقطة التي التقت عليا السهام الثلاثة في النقطتين اللتين على السهمين من سطحي البصرين، وتحصل كل نقطة من الصورتين في موضعين متشابهي الوضع من البصرينن ثم تنتهي صورتا المبصر في سطحي البصرين إلى تجويف العصبة المشتركة: فتنتهي الصورتان اللتان في النقطتين اللتين على السهمين منها إلى النقطة التي على السهم المشترك وتصيران صورة واحدة بعينها من النقط المحيطة بالنقطة التي على السهم المشترك، فتنطبق الصورتان اللتان لجملة المبصر إحداهما على الأخرى وتصيران صورة واحدة ويدرك المبصر واحداً.
فعلى هذه الصفة تصير الصورتان اللتان تحصلان في البصر للمبصر الواحد الذي وضعه من البصرين وضع متشابه صورة واحدة، ويدرك الحاس المبصر الواحد واحداً مع حصول صورتين له في البصرين.
وإذا كانت الصورتان اللتان في النقطتين اللتين في وسطي سطحي البصرين اللتين تحصلان في سطحي البصرين في النقطتين اللتين على السهمين فإنهما تنتهيان أبداً إلى تلك النقطة بعينها من تجويف العصبة المشتركة التي على السهم المشترك. لأن النقطتين اللتين يمر بهما سهما البصرين ليس تتغيران بل هما نقطتان بأعيانهما، لأن وضع السهمين من البصرين أبداً وضع واحد لا يتغير موضعاهما من البصرين أبداً لا يتغير. فالنقطة من تجويف العصبة المشتركة التي إليها تنتهي الصورتان اللتان تحصلان في النقطتين اللتين على السهمين من سطحي البصرين هي أبداً نقطة واحدة بعينها، وهي النقطة التي على السهم المشترك التي يلتقي عليها الخطان الخارجان من مركزي ثقبي العظمين الممتدين من وسطي تجويفي العصبتين. فلنسم هذه النقطة التي في تجويف العصبة المشتركة التي هي على السهم المشترك المركز.
وإذ قد تبين هذا المعنى فقد تبين منه أن كل مبصر يدرك بالبصرين معاً، ويلتقي سهما البصرين على نقطة من سطحه، فإن صورته تحصل في وسطي سطحي البصرين جميعاً، ثم تنتهي صورتاه من البصرين إلى تجويف العصبة المشتركة إلى موضع واحد بعينه، وتنطبق إحداهما على الأخرى وتصير صورة واحدة. والنقطة التي يلتقي عليها السهمان من المبصر تحصل صورتاها في النقطتين اللتين على السهمين من سطحي البصرين وتصير من هاتين النقطتين إلى نقطة المركز من تجويف العصبة المشتركة كانت النقطة التي يلتقي عليها السهمان من المبصر على السهم المشترك أو خارجة عنه. إلا أنه إذا كان المبصر على السهم المشترك، والتقى السهمان على النقطة منه التي على السهم المشترك، كانت صورتا هذه النقطة أشد تشابهاً، لأن بعدي هذه النقطة من النقطتين اللتين تحصل فيهما صورتا هذه النقطة من سطحي البصرين وهما اللتان على السهام يكونان متساويين، لأن السهمين في هذه الحال يكونان متساويين في الطول. وكذلك كل نقطة قريبة من هذه النقطة يكون بعداها من النقطتين اللتين تحصل فيهما صورتاها من سطحي البصرين متساويين بالقياس إلى الحس، فتكون صورتاها أشد تشابهاً، فتكون صورتا المبصر الذي على السهم المشترك اللتان تحصلان في سطحي البصرين أشد تشابهاً، فتكون صورتا المبصر الذي على السهم المشترك اللتان تحصلان في سطحي البصرين أشد تشابهاً من صورتي المبصر الخارج عن السهم المشترك، فتكون صورة المبصر الذي على السهم المشترك إذا حصلت في تجويف العصبة المشتركة أشد تحققاً. إلا أنه إذا كان المبصر خارجاً عن السهم المشترك، ولم يكن بعده عنه بعداً متفاوتاً، فليس تختلف صورتاه اللتان تحصلان في البصرين اختلافاً متفاوتاً، فليس تكون صورته التي تحصل في تجويف العصبة المشتركة صورتين.
وإذا كان المبصر خارجاً عن السهم المشترك، وكان بعده عنه بعداً متفاوتاً، والتقى مع ذلك سهما البصرين على نقطة منه، فإن صورته تحصل في تجويف العصبة المشتركة صورة واحدة، وتحصل صورة النقطة منه التي التقى عليها السهمان في نقطة المركز، إلا أن صورته ليس تكون محققة بل تكون مشتبهة. فالنقطة التي يلتقي عليها السهمان من المبصر تحصل صورتها على تصاريف الأحوال في نقطة المركز من تجويف العصبة المشتركة، كانت نقطة الالتقاء على السهم المشترك أو خارجة عنه، وتحصل بقية صورة المبصر محيطة بنقطة المركز. فإن كان المبصر صغير الحجم ومتقارب الأقطار، وكان على السهم المشترك أو قريباً منه فإن صورته تحصل في تجويف العصبة المشتركة صورة واحدة ومع ذلك محققة، لأن كل نقطة منه يكون وضعها من البصرين وضعاً متشابهاً لما تبين من قبل، فإن كان المبصر عظيم الحجم وفسيح الأقطار، وكان مع ذلك على السهم المشترك، فإن الجزء منه الذي عند موضع التقاء السهمين الذي يحيط بنقطة الالتقاء تحصل صورته في العصبة المشتركة صورة واحدة ومحققة، وتحصل صورة بقية أجزاءه متصلة بصورة هذا الجزء، فتحصل صورة جملة المبصر واحدة على جميع الأحوال، إلا أن صورة أطرافه وحواشيه وكلما كان بعيداً عن الالتقاء تكون مشتبهة غير محققة. لأنه ليس كل نقطة بعيدة عن نقطة الالتقاء تحصل صورتاها في نقطتين متشابهتي الوضع من البصرين في غاية التشابه، بل إنما تحصل صورة كل نقطة بعيدة من نقطة الالتقاء في نقطتين من البصرين وضعهما من البصرين وضع متشابه في الجهة، وربما كان متشابهاً في البعد عن السهمين، وربما لم يكن متشابهاً في البعد عن السهمين. والتي ليست متشابهة البعد تحصل صورتاها في تجويف العصبة المشتركة في نقطتين مائلتين عن المركز في جهة واحدة، إلا أنهما يكونان اثنين. فإن كان المبصر ذا لون واحد فليس يؤثر ذلك فيه كثير تأثير لتشابه اللون ولاتصال الصورة، وإذا كان المبصر ذا ألوان مختلفة أو كان فيه تخطيط أو نقوش أو معان لطيفة فإن هذا المعنى يؤثر فيه فتكون صورة أطرافه مشتبهة غير محققة.
وإذا كان المبصر عظيم الحجم فسيح الأقطار، وكان سهما البصرين ثابتين على نقطة منه وغير متحركين، فإن صورته تظهر واحدة، ويكون موضع الالتقاء منه وما يليه محققاً غير مشتبه، ويكون ما يلي أطرافه وحواشيه ملتبساً غير محقق لحالتين: إحداهما أن أطرافه تدرك بشعاعات بعيدة عن السهم فليس تكون في غاية البيان، والثانية أنه ليس كل نقطة منه تحصل صورتها في تجويف العصبة المشتركة في نقطة واحدة. فإذا تحرك السهمان على جميع أجزاء المبصر الذي بهذه الصفة فحينئذ تتحقق صورته. فإن كان المبصر خارجاً عن السهم المشترك وبعيداً عنه، فإن صورته ليس تكون محققة، لأن وضع كل نقطة منه من البصرين ليس يكون وضعاً متشابهاً لاختلاف بعدي النقطة من المبصر الذي بهذه الصفة عن النقطتين من سطحي البصرين اللتين تحصل فيهما صورتاها وعن السهمين. فإذا مال البصران معاً إلى المبصر الذي بهذه الصفة حتى يصير السهم المشترك على هذا المبصر أو قريباً منه تحققت حينئذ صورته.
وكذلك إذا أراد البصر عدة من المبصرات معاً، والتقى سهما البصرين على واحد من تلك المبصرات وثبتا عليه، وكانت المبصرات الباقية خارجة عن السهم، وكان المبصر الذي التقى عليه السهمان صغير الحجم، فإن صورة المبصر الذي التقى عليه السهمان تحصل في تجويف العصبة المشتركة صورة واحدة ومحققة. وإن كان المبصر على السهم المشترك كانت صورته أشد تحققاً من صورة المبصر الخارج عن السهم المشترك وإن التقى عليه السهمان. وما كان من المبصرات الباقية التي يدركها البصر في تلك الحال قريباً من المبصر الذي التقى عليه السهمان، وكان مع ذلك صغير الحجم، فإن صورته تحصل في تجويف العصبة المشتركة واحدة وليس فيها اشتباه يؤثر في صورتها، لأن صورته تكون قريبة من المركز. وما كان من المبصرات التي يدركها البصر في تلك الحال بعيداً عن المبصر الذي التقى عليه السهمان فإن صورته تحصل في تجويف العصبة المشتركة ملتبسة. فإما تكون صورتين وتكونا متداخلتين لأنهما في جهة واحدة والاختلاف الذي بين وضعيهما في البعد ليس يكون متفاوتاً، وإذا كان الاختلاف في البعد الذي بين الصورتين يسيراً كانت الصورتان متداخلتين، وإما أن تكون صورة بعض أجزائه صورتين وصورة بعض أجزائه صورة واحدة، فتكون صورة ما هذه حاله من المبصرات ملتبسة على جميع الأحوال، من أجل اختلاف وضع الشعاعات التي تخرج إليه ومن أجل أن الشعاعات الخارجة إليه تكون بعيدة عن السهمين. فالمبصر المائل عن السهمين البعيد عن موضع التقاء السهمين تكون صورته ملتبسة غير محققة ما دام بعيداً عن ملتقى السهمين، فإذا تحرك السهمان والتقيا عليه تحققت صورته.
فأما إذا التقى سهما البصرين على مبصر من المبصرات وكان البصران مع ذلك يدركان مبصراً آخر، وكان ذلك المبصر الآخر أقرب إلى البصرين من المبصر الذي التقى عليه السهمان أو بعد منه، وكان مع ذلك فيما بين السهمين، فإن وضعه من البصرين يكون مختلفاً في الجهة. وذلك أنه كان فيما بين السهمين، فإنه يكون متيامناً عن أحد السهمين ومتياسراً عن الآخر، وتكون الشعاعات التي تخرج إليه من أحد البصرين متيامنة عن السهم والتي تخرج إليه من البصر الآخر متياسرة عن السهم، فيكون وضعه من البصرين وضعاً مختلفاً في الجهة. وما هذه حاله من المبصرات فإن صورته تحصل في البصرين في موضعين مختلفي الوضع، وتنتهي صورتاه التي تحصل في البصرين إلى موضعين مختلفين من تجويف العصبة المشتركة، وتكونان عن جنبتي المركز، فتكونان صورتين ولا تنطبق إحديهما على الأخرى.
وكذلك إذا كان المبصر على أحد السهمين، وكان خارجاً عن السم الآخر، فإن صورته تحصل في تجويف العصبة المشتركة صورتين إحديهما على المركز والأخرى مائلة عن المركز ولا تنطبق إحداهما على الأخرى.
فأما كيف تعتبر جميع هذه المعاني اعتباراً يقع معه اليقين فإن ذلك يكون كما نصف.
يتخذ لوح من خشب خفيف مسفر اللون يكون طوله قدر عظم الذراع وعرضه أربع أصابع مقتدرة. وليكن سطحه مستوياً أملس وتكون نهايتا طوليه متوازين. وليخرج فيه قطران يتقاطعان ويخرج من موضع التقاطع خط مستقيم مواز لنهاية الطولين، ويخرج من موضع التقاطع أيضاً خط مستقيم قائم على الخط الأول المتوسط على زوايا قائمة. ولتصبغ هذه الخطوط بأصباغ مشرقة مختلفة الألوان لتكون ظاهرة، وليكن القطران منها متشابهي اللون. ولنخرق في وسط عرض اللوح عند طرف الخط المستقيم المتوسط وفيما بين القطرين خرقاً مستديراً ومع ذلك منخرطاً أوله أوسع من آخره بقدر ما تدخل فيه قرنة الأنف إذا ركب اللوح عليه إلى أن تصل زاويتا اللوح إلى غاية القرب من وسطي سطحي البصرين وتصيران قريبتين من مماسة البصرين ولا يماسانها.
وليكن اللوح على مثال شكل ا ب ج د، وليكن قطراه ا د و ب ج، ولتكن نقطة التقاطع نقطة ك، وليكن الخط الذي في وسطه الممتد في طوله ه ك، وليكن الخط الذي يقطع هذا الخط على زوايا قائمة ح ك ط، وليكن الخرق الذي في وسط عرض اللوح هو الذي يحيط به خط م ه ن.
فإذا اتخذ اللوح وفرغ من تخطيطه على هذه الصفة، فليؤخذ جزء يسير من الشمع الأبيض فيعمل منه ثلاثة أشخاص صغار أسطوانية، ولتصبغ الثلاثة بألوان مختلفة كل واحد منها بلون يخالف لون الآخر، وليقم أحد الأشخاص في وسط اللوح على نقطة ك، وليلصق باللوح حتى لا يزول من موضعه وليكن قائماً على اللوح قياماً معتدلاً، وليقم الشخصان الآخران على طرفي الخط المعترض على نقطتي ح ط، فتصير الأشخاص الثلاثة على سمت واحد. ثم يرفع المعتبر هذا اللوح ويركب الخرق الذي في وسط عرضه على قرنة أنفه وفيما بين عينيه حتى تدخل قرنة الأنف في الخرق وتلتصق باللوح وتصير زاويتا اللوح عند وسطي البصرين وقريبتين من مماستهما. ثم يعتمد المعتبر النظر إلى الشخص الذي في وسط اللوح ويحدق إليه تحديقاً شديداً. فإذا نظر المعتبر إلى الشخص المتوسط وحدق إليه فإن سهمي البصرين يلتقيان على هذا الشخص، ويكون السهمان مطابقين للقطرين أو موازيين لهما، ويصير السهم المشترك الذي حددناه من قبل مطابقاً للخط الممتد في وسط طول اللوح.
ثم يبغي للمعتبر أن يتأمل عند هذه الحال جميع ما في سطح اللوح. فإنه يجد الأشخاص الثلاثة التي على نقط ح ط كل واحد منهما واحداً، ويجد خط ح ك ط أيضاً واحداً. فأما خط ه ز الممتد في طول اللوح فإنه يجده خطين متقاطعين عند الشخص المتوسط. وكذلك القطران أيضاً إذا تأملهما المعتبر في تلك الحال وجدهما أربعة، كل واحد منهما اثنين.
ثم ينبغي للمعتبر أن يحدق إلى أحد الشخصين اللذين على نقطتي ح ط ليلتقي السهمان على الشخص المتطرف. ثم يتأمل أيضاً في هذه الحال: فإنه يجد الأشخاص الثلاثة كل واحد منهما واحداً، ويجد الخط المعترض أيضاً واحداً، ويجد الخط المتوسط الممتد في طول اللوح اثنين، ويجد كل واحد من القطرين اثنين.
فإذا أدرك المعتبر هذه الخطوط والأشخاص القائمة على اللوح، فليحط اللوح وينزع الشخصين اللذين على نقطتي ح ط، وليثبتهما على خط ه ز الممتد في الطول، أحدهما على نقطة ل التي تلي البصرين، والآخر على نقطة ف التي من وراء الشخص المتوسط. ثم يعيد اللوح إلى وضعه الذي كان عليه، أعني يقربه من البصرين على مثل ما كان، ويحدق أيضاً إلى الشخص المتوسط. فإنه يجد الشخصين أربعة، ويجدها مائلة عن الوسط، اثنين متيامنين واثنين متياسرين، ويجدها على الخطين اللذين هما خط واحد في الوسط ويظهر اثنين، ويجد كل اثنين من الأشخاص الأربعة على واحد من الخطين، وكذلك إذا نزع الشخصين عن هذا الخط وأثبتهما على أحد القطرين أحدهما مما يلي البصر من وراء الشخص الأوسط، وكذلك إن أثبت الشخصين على القطرين جميعاً كل واحد منهما على أحد القطرين وجعلهما جميعاً مما يلي البصرين، فإنه يجدهما أربعة: اثنين منها متقاربين واثنين متباعدين. وكذلك إن أثبت الشخصين على القطرين من وراء الشخص المتوسط فإنه يجدهما أربعة: اثنين منهما متقاربين واثنين متباعدين.
ثم ينبغي للمعتبر أن ينزع الشخصين عن اللوح، ويثبت أحدهما على حاشية اللوح من وراء نقطة ح وقريباً منها جداً على مثل نقطة ي، ويعيد اللوح إلى وضعه، ويحدق إلى الشخص المتوسط: فإنه يجد الشخص الذي على نقطة ي واحداً. ثم ينزع الشخص في تلك الحال من نقطة ي، ويثبته على حاشية اللوح أيضاً من وراء نقطة ي على نقطة بعيدة عن نقطة ح مثل نقطة ق، ويحدق إلى الشخص المتوسط، فإنه يجد الشخص الذي عند نقطة ق اثنين.
ويجد المعتبر جميع ما ذكرناه على ما ذكرناه ما دام محدقاً إلى الشخص الأوسط، أو إلى شخص ثابت على الخط المعترض، أو نقطة من الخط المعترض أي نقطة كانت، وما دام السهمان متلاقيين على الشخص الأوسط أو على نقطة من الخط المعترض. فإن حدق المعتبر في تلك الحال إلى شخص خارج عن الخط المعترض، أو إلى نقطة خارجة عن الخط المعترض، فإن الشخص المتوسط أيضاً يرى اثنين. وإن كان الشخصان الآخران على نقطتي ح ط، فإن كل واحد منهما يرى اثنين. ثم إذا عاد المعتبر بالتحديق إلى الشخص الأوسط أو إلى موضع من الخط المعترض عادت الحال إلى مثل ما كانت عليه.
فلنخرج في شكل ا ب ج د للبرهان خطوط ب ح و ب ي و ب ق، فيكون خط ح ب أعظم من خط ب ط. وخط ح ك مساو لخط ك ط، فزاوية ط ب ك أعظم من زاوية ك ب ح.
وزاوية ط ب ك مساوية لزاوية ح ا ك، فزاوية ح ا ك أعظم من زاوية ح ب ك، فبعد خط ا ح عن سهم ا ك أعظم من بعد خط ب ح عن سهم ب ك، غلا أن الاختلاف الذي بين البعدين يسير لأن الاختلاف الذي بين زاويتي ح ا ك وزاوية ح ب ك يسير.
والشخص الذي يكون عند نقطة ح يرى أبداً بالبصرين جميعاً واحداً إذا كان السهمان متلاقيين على الشخص الذي عند نقطة ك، وخطا ا ح و ب ح ما مسامتان للشعاعين الخارجين إلى الشخص الذي يكون عند نقطة ح إذا كان السهمان متلاقيين على الشخص الذي عند نقطة ك، وكذلك حال الشخص الذي عند نقطة ي تكون الشعاعات الخارجة إليه مسامتة لخطي ا ي وخط ب ي وهو يرى واحداً، وزاويتا ي ا ك و ي ب ك ليس بينهما اختلاف متفاوت أيضاً، لأن زاوية ح ب ي ليس لها قدر محسوس إذا كانت نقطة ي قريبة جداً من نقطة ح.
فيتبين من هذه الحال أن المبصر الذي وضعه من السهمين وضع واحد في الجهة، وبعد الشعاعات الخارجة إليه من البصرين ليس بينهما اختلاف متفاوت، فإن ذلك المبصر يرى بالبصرين جميعاً واحداً.
فأما زاويتا ق ا ك و ق ب ك فمختلفتان اختلافاً متفاوتاً، والشخص الذي يكون عند نقطة ق يرى اثنين إذا كان السهمان متلاقيين على الشخص الذي عند نقطة ك.
فيتبين من هذه الحال أن المبصر الذي يختلف وضع الشعاعات الخارجة إليه من البصرين في البعد عن السهمين اختلافاً متفاوتاً، فإنه يرى اثنين، وإن كان وضعه بالقياس إلى السهمين وضعاً واحداً في الجهة.
وأما خط ه ك ز فإن وضعه من سهمي البصرين وضع مختلف في الجهة. وذلك أن الشعاعات الخارجة إلى قسم م ك من البصر الأيمن تكون متياسرة عن سهم ا ك، والشعاعات الخارجة إلى هذا القسم من البصر الأيسر تكون متيامنة عن سهم ب ك، وقسم ك ز منه تكون الشعاعات الخارجة إليه من البصر الأيمن متيامنة عن سهم ا ك، والشعاعات الخارجة إليه من البصر الأيسر متياسرة عن سهم ب ك، فالشعاعات التي تخرج إليه مختلفة الوضع في الجهة. وكل نقطة من هذا الخط فإن الشعاعين الخارجين إليها من البصرين يكون بعدهما عن السهمين بعداً متساوياً. وهذا الخط وجميع ما عليه سوى الشخص المتوسط يرى أبداً اثنين، إذا كان السهمان متلاقيين على الشخص المتوسط.
فيتبين من هذه الحال أن المبصر الذي وضعه بالقياس إلى السهمين وضع مختلف في الجهة يرى أبداً اثنين وإن تساوت أبعاد الشعاعات الخارجة إليه من البصرين عن السهمين. وذلك أن كل شعاعين يخرجان من البصرين إلى نقطة منه يكونان في جهتين مختلفتين، فتحصل صورتا كل نقطة منه في نقطتين من تجويف العصبة المشتركة عن جنبتي المركز.
وكذلك أيضاً حال كل واحد من القطرين: تكون الشعاعات الخارجة إلى كل واحد منهما من البصر الذي يليه من وسط البصر وقريبة من السهم ومن تحت السهم ومن فوقه. والشعاعات الخارجة إليه من البصر الآخر تكون مائلة عن السهم الآخر. أما التي تخرج من البصر الأيمن إلى القطر الأيسر فتكون متياسرة عن السهم. وأما التي تخرج من البصر الأيسر إلى القطر الأيمن فتكون متيامنة عن السهم. وكل واحد من هذين القطرين وكلما يكون عليهما من المبصرات يرى اثنين ما سوى الشخص المتوسط إذا كان السهمان متلاقيين على الشخص المتوسط.
فيتبين من هذه الحال أن المبصر الذي يكون بالقياس إلى أحد البصرين مقابلاً لوسطه وبالقياس إلى البصر الآخر مائلاً عن الوسط، فإنه يرى اثنين. وذلك لأن صورة النقطة التي تحصل في وسط أحد البصرين تصير إلى المركز، وصورة النقطة التي تكون مائلة عن وسط البصر الآخر تصير في نقطة غير المركز ومائلة عن المركز بحسب ميل النقطة من سطح البصر.
فيتبين من جميع الاعتبار الذي وصفنا والشرح الذي شرحنا بياناً واضحاً أن المبصر الذي يلتقي عليه السمان يرى أبداً واحداً، وأن المبصرات أيضاً التي تلتقي عليها الشعاعات المتشابهة الوضع في الجهة وليس بينهما في البعد عن السهم اختلاف متفاوت فإن كل واحد منها يرى أيضاً واحداً، وأن المبصر الذي تلتقي عليه الشعاعات المتشابهة الوضع في الجهة ومختلفة الوضع في العبد عن السهمين اختلافاً متفاوتاً فإنه يرى اثنين، وأن المبصر الذي يدرك بشعاعات مختلفة الوضع في الجهة فإنه يرى اثنين وإن تساوت أبعاد الشعاعات الخارجة إليها عن السهمين، وأن جميع ذلك كذلك ما دام السهمان متلاقيين على مبصر واحد.
وجميع المبصرات المألوفة تكون مقابلة للبصرين جميعاً والبصران جميعاً ينظران إلى كل واحد منهما، فسهما البصرين أبداً يلتقيان عليها، والشعاعات الباقية التي تلتقي على كل نقطة منها وضعها في الجهة وضعاً متشابهاً، ولا يكون بينها في البعد عن السهمين اختلاف متفاوت، فلذلك يرى كل واحد من المبصرات المألوفة بالبصرين جميعاً واحداً. وليسمن المبصرات المألوفة بالبصرين جميعاً واحداً. وليس يرى واحد من المبصرات اثنين إلا نادراً، لأنه ليس يرى واحداً من المبصرات اثنين إلا إذا كان وضعه من البصرين وضعاً مختلفاً اختلافاً متفاوتاً إما في الجهة وإما في البعد وإما في الجهة والبعد معاً، وليس يختلف وضع المبصر الواحد عند البصرين اختلافاً متفاوتاً إلا في النادر.
فقد تبينت العلة التي من أجلها يرى كل واحد من المبصرات المألوفة بالبصرين جميعاً واحداً بالقياس والاعتبار جميعاً.
وأيضاً فإن المعتبر إذا رفع الشخص الذي في وسط اللوح، ونظر إلى نقطة التقاطع التي في وسط اللوح، وتأمل في الحال الخطوط التي في اللوح، فإنه يجد القطرين أربعة، ويجد مع ذلك اثنين من الأربعة متقاربين واثنين متباعدين، وجميعها مع ذلك متقاطعة على النقطة المتوسطة التي هي نقطة تقاطع القطرين التي على السهم المشترك، ويجد كل واحد من المتباعدين تباعده عن الوسط أكثر من تباعده الحقيقي. ثم إذا ستر المعتبر أحد البصرين فإنه يرى القطرين اثنين، ويرى البعد الذي بينهما أوسع من مقداره الحقيقي على انخراطه الذي أوسع موضع منه هو عرض اللوح، ويظهر أن القطر المتباعد عن الوسط هو القطر الذي يلي البصر المستتر.
فيتبين من ذلك أن القطرين الذين يريان متقاربين إذا كان الإبصار بالبصرين معاً هما اللذان يرى كل واحد منهما بالبصر الذي يليه، وإن القطرين المتباعدين هما اللذان يرى كل واحد منهما بالبصر المائل عنه. فأما تقارب الاثنين من الأربعة، فلأن السهمين إذا كانا ملتقيين على الشخص المتوسط، فإن كل واحد من القطرين يدركه البصر الذي يليه بشعاعات قريبة جداً من السهم، فتصير صورتاهما من أجل ذلك في تجويف العصبة المشتركة قريبتين جداً من المركز، وتكون نقطة التقاطع منهما على نفس المركز، وكذلك يريان متقاربين وقريبين من الوسط. وتباعد الاثنين من الأربعة لأن كل واحد من القطرين يدرك أيضاً بالبصر الآخر المائل عنه، فهو يدركه بشعاعات بعيدة عن السهم، ويدرك أحدهما بشعاعات متيامنة عن السهم ويدرك الآخر بشعاعات متياسرة عن السهم الآخر، فتحصل صورتاهما من أجل ذلك في تجويف العصبة المشتركة متباعدتين، لأنهما تحصلان في جهتين متضادتين بالقياس إلى المركز ومع ذلك بعيدين عن المركز. فلذلك يوجد للقطرين صورتان متقاربتين وصورتان متباعدتين. فأما لم يدرك تباعد كل واحد من المتباعدين عن الوسط أكثر من تباعده الحقيقي، فإن ذلك البعد الذي بين القطرين يدركه كل واحد من البصرين أعظم من مقداره الحقيقي. ويظهر ذلك إذا ستر المعتبر أحد البصرين ونظر ببصر واحد. فأما لم إذا ستر المعتبر أحد البصرين ونظر ببصر واحد وجد البعد الذي بين القطرين أوسع من مقداره الحقيقي فذلك لأن البعد الذي بين القطرين قريب جداً من البصر، وكلما كان قريباً جداً من البصر فإنه يرى أعظم من مقداره الحقيقي. فأما علة ذلك فإنها تتبين من بعد في موضعها عند كلامنا في أغلاط البصر.
فمن اعتبار أحوال القطرين الذين في اللوح والأشخاص التي تثبت عليهما على غير الوسط يظهر أن كل مبصر يكون على السهم المشترك ويدركه البصر بسهم الشعاع فإنه يدركه في موضعه، كان إدراكه ببصر واحد وبسهم واحد من سهمي البصرين أو كان إدراكه ببصرين وبالسهمين معاً. ويتبين أن كل مبصر يدرك ببصر واحد وبسهم الشعاع ولا يكون ذلك المبصر على السهم المشترك، فإنه يدركه في موضع أقرب إلى السهم المشترك من موضعها الحقيقي. وتلزم هذه الحال أيضاً فيما يدرك بالشعاعات الباقية غير السهم، لأنه إذا كان البصر يدرك المبصر على ما هو عليه، وتحصل صورته في تجويف العصبة المشتركة في موضع واحد ومتصلاً بعضها ببعض بحسب اتصال المبصر، وكانت النقطة من المبصر التي على سهم الشعاع إذا لم تكن على السهم المشترك ترى في موضع أقرب إلى السهم المشترك من موضعها الحقيقي، فإن النقط الباقية أيضاً ترى في موضع أقرب إلى السهم المشترك من موضعها الحقيقي، لأنها متصلة بالجزء الذي عند طرف السهم.
وإن التقى سهما البصرين على مبصر خارج عن السهم المشترك فإنه يلزم في هذه الحال أيضاً، أعني أنه يرى في موضع أقرب إلى السهم المشترك من موضعه الحقيقي. إلا أن هذا الوضع قل ما يتفق. فإنه إذا التقى سهما البصرين على البصر، فإنه في أكثر الأحوال يكون السهم المشترك ماراً بذلك المبصر، وليس يلتقي سهما البصرين على المبصر وهو خارج عن السهم المشترك إلا بتكلف أو بعائق يضطر البصر إلى التكلف. وليس تظهر هذه الحال في المبصرات المألوفة لأنه إذا عرض هذا المعنى في مبصر من المبصرات المألوفة فإنه يلزم في جميع ما يتصل بذلك المبصر من المبصرات، فليس يتغير بهذه الحال وضع المبصرات بعضها عن بعض: فإذا لم يتغير وضع ذلك المبصر مما يجاوره من المبصرات فليس يظهر تغير موضعه. فهذا المعنى إذا عرض في المبصرات المألوفة فليس يظهر للعلة التي ذكرناها. فإذا اعتبر بالطريق الذي قدمناه يبين من الاعتبار أن ذلك لازم في جميع المبصرات التي يلتقي عليها سهما البصرين وتكون خارجة عن السهم المشترك.
وأيضاً فإنه ينبغي للمعتبر أن يعتمد قرطاساً فيقطع منه ثلث جزازات صغار متساويات، وليثبت في إحداهن كلمة كيف ما اتفقت ولتكن كتابة بينة، وليثبت في كل واحدة من الجزازتين الباقيتين مثل تلك الكلمة وعلى مقدارها وهيئتها. وليثبت المعتبر الشخص في وسط اللوح على مثل ما تقدم، ويثبت أيضاً أحد الشخصين الآخرين على نقطة ح. ويلصق إحدى الجزازتين االباقيتين بالشخص الذي على نقطة ح، وليتحر أن يكون وضعها مثل وضع الجزازة الأولى. ويقدم اللوح إلى بصره على مثل ما تقدم، ويحدق إلى الجزازة التي على الشخص الأوسط ويتأملها. فإنه يدرك الكلمة المكتوبة عليها إدراكاً محققاً، ويدرك مع ذلك في تلك الحال الجزازة الأخرى ويدرك الكلمة التي فيها إلا أنه لا يجدها في البيان كبيان الكلمة النظيرة لها التي في الجزازة المتوسطة، بل يجد الكلمة التي في الجزازة المتوسطة أبين وأشد تحققاً مع تشابهها في الشكل والهيئة والمقدار.
ثم في هذه الحال ينبغي للمعتبر أن يأخذ الجزازة الثالثة باليد التي تلي نقطة ح ويقيمها في سمت الجزازتين اللتين على اللوح وعلى استقامة امتداد الخط المعترض الذي في سطح اللوح في الحس، ولتكن بعيدة عن اللوح. والسمت الذي على الصفة نسميه سمت المواجهة. وليتحر المعتبر أن يكون وضع الجزازة الثالثة ووضع الكلمة التي فيها في حال نصب الجزازة الثالثة ووضع الكلمة التي فيها في حال نصب الجزازة شبيهاً بوضع الجزازتين اللتين على اللوح. وليثبت البصرين على الجزازة المتوسطة ويحدق إليها. فإنه يدرك الجزازة الثالثة في هذه الحال إذا لم تكن بعيدة جداً عن اللوح. إلا انه يدرك صورة الكلمة التي فيها مشتبهة غير مفهومة، ولا يجدها بينة كما يجد صورة الكلمة النظيرة لها في وسط اللوح، ولا كما يجد صورة الكلمة التي عند نقطة ح ما دام البصران محدقين إلى الجزازة التي في وسط اللوح.
ثم فليرفع المعتبر الشخص الذي عند نقطة ح والجزازة التي عليه ويقدم الجزازة التي في يده إلى أن يلصقها إلى جانب الجزازة الملتصقة بالشخص المتوسط، ويتحرى أن تكون الجزازة قائمة على الخط المعترض، ويحدق كما كان إلى الجزازة المتوسطة. فإنه يدرك الكلمتين جميعاً اللتين في الجزازتين إدراكاً بيناً محققاً ولا يكون بين صورتي الكلمتين في البيان والتحقق تفاوت محسوس.
ثم يحرك المعتبر الجزازة التي بيده تحريكاً رفيقاً على الخط المعترض في اللوح ويتحرى أن تكون نصبتها على ما كانت عليه، ويعتمد التحديق إلى الجزازة المتوسطة وينعم تأمل الجزازتين في هذه الحال. فإنه يجد الجزازة المتحركة كلما بعدت عن الوسط تناقص بيان الكلمة التي فيها. فإذا صارت عند نقطة ح فإنه يجد صورة الكلمة التي فيها مفهومة، إلا انها ليست في البيان كما كانت عند التصاقها بالجزازة المتوسطة.
ثم يحرك المعتبر الجزازة أيضاً ويخرجها عن اللوح ويبعدها عنه قليلاً قليلاً على سمت الخط المعترض وينعم التأمل مع التحديق إلى الجزازة الوسطى. فإنه يجد الجزازة المتحركة كلما بعدت عن الوسط تناقص بيان الكلمة التي فيها حتى تصير بحيث لا يفهم صورتها ولا يتحققها. ثم إذا حركها بعد ذلك وجدها كلما بعدت ازدادت صورة الكلمة التي فيها اشتباهاً وخفاءً.
وأيضاً فليستر المعتبر الذي يلي نقطة ط ويثبت اللوح على حاله ويحدق بالبصر الواحد الذي يلي نقطة ح إلى الجزازة المتوسطة. وليلصق الجزازة الأخرى إلى جانب الجزازة المتوسطة كما فعل في الأول. فإنه يجد الكلمة التي في الجزازة المتوسطة بينة ومحققة، ويجد الكلمة التي في الجزازة الأخرى أيضاً بينة ليس بينها وبين الجزازة المتوسطة في البيان تفوت محسوس. ثم يحرك الجزازة الثانية على مثل ما تقدم ويعتمد التحديق إلى الجزازة المتوسطة وينعم بالتأمل. فإنه يجد الكلمة التي في الجزازة الثانية عند الحركة ينقص بيانها. فإذا وصلت إلى النقطة ح كان بين بيانها في هذه الحال وبين بيانها عند كونها ملتصقة بالوسطى تفاوت محسوس. ثم يحرك هذه الجزازة ويخرجها عن اللوح كمثل الفعل الأول وينعم التأمل مع التحديق إلى الجزازة الوسطى. فإنه يجد الجزازة المتحركة كلما بعدت عن الوسط ازدادت خفاءً.
فيظهر من هذا الاعتبار أن أبين المبصرات المواجهة للبصر التي تدرك بالبصرين معاً هو الذي يكون عند ملتقى السهمين، وأن ما قرب من ملتقى السهمين يكون أبين مما بعد، فإن المبصر البعيد عن ملتقى السهمين تكون صورته مشتبهة غير محققة، وإن أدرك بالبصرين جميعاً. ويظهر أيضاً من هذا الاعتبار أن أبين المبصرات المواجهة التي تدرك ببصر واحد هو الذي يرى بسهم الشعاع، وأن ما قرب منه يكون أبين مما بعد، فإن المبصر البعيد عن سهم الشعاع تكون صورته مشتبهة غير محققة. ويظهر من هذا الاعتبار أيضاً أن البصر ليس يدرك المبصر الفسيح الأقطار إدراكاً محققاً إلا إذا حرك سهم الشعاع على جميع أقطاره وعلى جميع أجزائه كان الإبصار ببصرين أو كان الإبصار ببصر واحد، وأن البصر إذا كان ثابتاً في مقابلة المبصر الفسيح الأقطار فليس يدرك جميعه إدراكاً محققاً، وإنما يدرك منه ما كان على السهم وقريباً منه إدراكاً محققاً ويدرك بقية أجزائه وما بعد عن السهم إدراكاً غير محقق وإن كان المبصر مواجهاً، كان الإبصار ببصرين أو كان ببصر واحد.
وأيضاً فإنه ينبغي للمعتبر أن يعتمد قرطاساً قدره أربع أصابع في مثلها، فيثبت فيه أسطر الخط دقيقاً، وليكن الخط مفهوماً. ثم يرفع المعتبر الشخص الذي على اللوح ويقدم اللوح إلى بصره على مثل ما كان ثم يقيم القرطاس على الخط المعترض الذي في وسط اللوح، ويحدق بالبصرين جميعاً إلى وسط القرطاس ويتأمله. فإنه يجد الكتابة التي في القرطاس بينة مفهومة ويتمكن من قراءتها. إلا أنه يجد ما كان من الكتابة في وسط القرطاس أبين مما هو في أطرافه، إذا كان البصر محدقاً إلى وسط القرطاس ولم يتحرك على جميع أقطاره.
ثم فليميل القرطاس حتى يتقاطع به الخط المعترض على النقطة التي في وسط اللوح التي هي نقطة التقاطع، وليكن ميل القرطاس على الخط المعترض ميلاً يسيراً، ولينظر بالبصرين جميعاً إلى وسط القرطاس. فإنه يجدها لما كان القرطاس مواجهاً.
ثم ينبغي للمعتبر أن يميل القرطاس ميلاً زائداً على الميل الأول ويكون وسط حاشيته على نقطة التقاطع، ويحدق أيضاً بالبصرين جميعاً إلى وسطه. فإنه يجد الكتابة أضعف من بيانها الأول. ثم يزيد في ميل القرطاس قليلاً قليلاً ويكون وسط حاشيته على نقطة التقاطع، ويتأمله في جميع ميله مرة بعد مرة. فإنه يجد الكتابة تشتبه عليه عند ميل القرطاس. وكلما ازداد القرطاس ميلاً ازدادت الكتابة اشتباهاً إلى أن يقرب القرطاس من الخط الممتد في وسط طول اللوح، فإنه يجد الكتابة التي في القرطاس مشتبهة اشتباهاً شديداً حتى لا يتمكن من قراءتها ولا من فهمها ولا يتحقق صورتها.
ثم ينبغي للمعتبر آن يعيد القرطاس إلى الوضع الأول، ويقيمه على الخط المعترض، ويستر أحد البصرين وينظر إلى القرطاس ببصر واحد، فإنه يجد الكتابة بينة مفهومة ويتمكن من قراءتها وفهمها. ثم يميل القرطاس على الصفة الأولى وينظر إليه بالبصر الواحد، فإنه يجد الكتابة أضعف بياناً مما كانت عليه عند المواجهة. ثم يزيد في ميل القرطاس قليلاً قليلاً ويتأمله مرة بعد مرة. فإنه يجده كلما ازداد ميلاً ازداد بيان الكلمة ضعفاً إلى أن يقرب القرطاس من القطر الذي يلي البصر الناظر إليه. وليتأمل في هذه الحال بالبصر الواحد، فإنه يجد الكتابة مشتبهة اشتباهاً شديداً ولا يتمكن من قراءتها ولا من فهمها.
فيتبين من هذا الاعتبار أن أبين المبصرات التي تكون على سهم الشعاع هو المواجه للبصر، وأن ما قرب وضعه من المواجهة يكون أبين مما بعد عن المواجهة، وأن المائل على سهم الشعاع ميلاً متفاوتاً تكون صورته مشتبهة غير مفهومة، كان الإبصار بالبصرين معاً أو كان الإبصار ببصر واحد.
ثم ينبغي للمعتبر أن يرد الشخص الذي كان على اللوح ويثبته في وسط اللوح ويلصقه على نقطة التقاطع على مثل ما كان في الاعتبار الأول. ثم يقيم القرطاس على أحد قسمي الخط المعترض على سمت المواجهة ويحدق بالبصرين معاً إلى الشخص المتوسط. فإنه في هذه الحال يدرك القرطاس ويدرك الكتابة التي فيه، إلا أنه يجد ما يلي الشخص المتوسط من الكتابة بيناً وما بعد عنه مشتبهاً خفياً، ويجد ما قرب إلى الشخص المتوسط مفهوماً ويتمكن من قراءته مع تحديقه إلى الشخص المتوسط، ويجد ما بعد عن الشخص المتوسط من الكتابة ملتبساً لا يتمكن من قراءته ولا من فهمه، ويجد كل ما كان أبعد عن الشخص كان أشد التباساً.
وأيضاً فإنه ينبغي للمعتبر أن يميل القرطاس في هذه الحال ويقاطع به الخط المعترض على نقطة من إحدى قسميه، ويجعل ميله عن الخط المعترض ميلاً يسيراً، ويحدق بالنظر إلى الشخص المتوسط. فإنه يجد الكتابة التي القرطاس في هذه الحال أضعف بياناً مما كانت عليه عند المواجهة. ثم فليزد في ميل القرطاس ويحدق إلى الشخص المتوسط. فإنه يجد الكتابة مشتبهة غير مفهومة ولا بينة.
ثم ينبغي للمعتبر أن يستر أحد البصرين وينظر بالبصر الواحد، ويعيد القرطاس إلى وضعه الأول، ويقيمه على قسم الخط المعترض الذي يلي البصر الذي ينظر به. ويحدق بالبصر الواحد إلى الشخص المتوسط. فإنه يدرك أيضاً الكتابة التي في القرطاس، ويجد ما قرب منها من الشخص أبين مما بعد، ويجد ما بعد عن الشخص من الكتابة مشتبهاً غير مفهوم.
ثم فليملل المعتبر القرطاس ويقاطع به الخط المعترض على نقطة من القسم الذي كان قائماَ عليه، وينظر إلى الشخص المتوسط بالبصر الواحد الذي كان ينظر به، فإنه يجد الكتابة التي في القرطاس مشتبهة غير مفهومة وأشد اشتباهاً منها لما كان القرطاس في سمت المواجهة. ثم فليزد في ميلها قليلاً قليلاً، فإنه يجد كل ما ازداد القرطاس ميلاً ازدادت الكتابة اشتباهاً والتباساً.
فيظهر من هذا الاعتبار أن المبصر الذي على سمت المواجهة يكون أبين من المبصر المائل وإن لم يكن المبصر على سم الشعاع وكان خارجاً عن السهم، وأن المبصر إذا كان شديد الميل كانت صورته مشتبهة وإن لم يكن على سهم الشعاع كان الإبصار بالبصرين معاً أو كان الإبصار ببصر واحد.
وأيضاً فينبغي للمعتبر أن يرفع الشخص من اللوح، ويقيم القرطاس على طرف اللوح، ويطابق بنهايته نهاية عرض اللوح الذي هو خط ج د، ويحدق بالبصرين جميعاً إلى وسط القرطاس. فإنه يجد الكتابة بينة مفهومة.
ثم فليملل القرطاس ويقاطع به عرض اللوح على نقطة ز التي في وسط عرض اللوح، ويحدق بالبصرين جميعاً إلى وسط القرطاس. فإنه يجد الكتابة أضعف بياناً مما كانت عليه. ثم فليزد في ميل القرطاس قليلاً قليلاً، فإنه يجد الكتابة يزداد بيانها ضعفاً. فإذا تفاوت ميل القرطاس، فإنه يجد الكتابة مشتبهة اشتباهاً شديداً على مثل الحال التي كان يجدها عليها عند اعتبارها في وسط اللوح. وكذلك إذا اعتبره في هذا الموضع ببصر واحد.
ثم ينبغي للمعتبر أن يقيم الشخص على نقطة ز ويقيم القرطاس على أحد قسمي العرض وعند طرف اللوح مثل ما فعله في وسط اللوح، ويحدق إلى الشخص المتوسط ويتأمل القرطاس ويعتبره. ثم يقاطع به العرض أيضاً ويعتبره. فإنه يجد الحال على مثل ما كان وجدها في وسط اللوح إذا اعتبرها بالبصرين معاً وبالبصر الواحد أيضاً.
وينبغي للمعتبر أن يعتبر أيضاً الجزازات الصغار التي تقدم وصفها عند طرف اللوح كما اعتبرها في وسطه. فإنه يجد الحال على مثل ما كان وجدها في الوسط، أعني انه يجد الكلمة التي في الجزازة المتوسطة أبين من الكلمة التي في الجزازة المتطرفة البعيدة عن الوسط. وكل ما ازدادت الجزازة المتطرفة بعداً عن الوسط ازدادت الكلمة التي فيها اشتباهاً، إلا انه يجد البعد عن الوسط الذي تشتبه عنده الكلمة المتطرفة إذا كان الاعتبار عند طرف اللوح يكون بحسب البعد عن الوسط الذي تشتبه عنده الكلمة المتطرفة إذا كان الاعتبار في وسط اللوح لأنه يكون بحسب بعد الشعاع المتطرف عن السهم. فتكون نسبة البعد الذي تلتبس عنده الصورة المتطرفة عن الصورة المتوسطة إلى بعد الصورة المتوسطة عن البصر نسبة واحدة في الاعتبار عند وسط اللوح وفي الاعتبار عند طرفه.
وكذلك أيضاً إن رفع المعتبر اللوح، ووضع القرطاس الذي فيه الكتابة على بعد أكثر من طول اللوح وبحيث يتمكن من قراءة ما فيه، وجعله مواجهاً للبصر، وتأمله وقرأ ما فيه من الكتابة، ثم ميله وهو في موضعه ميل اًيسيراً، فإنه يجده أضعف بياناً. ثم إذا زاد في ميله قليلاً قليلاً فإنه يجده كلما ازداد ميلاً ازداد بيانه ضعفاً. ثم إذا ميله ميلاً شديداً حتى يصير وضعه قريباً من وضع الشعاع الذي يمتد إلى وسطه، فإنه يجد الكتابة التي في القرطاس مشتبهة اشتباهاً شديداً حتى لا يتمكن من قراءتها ولا يفهمها. ويجد الأمر كذلك إن كان الاعتبار بالبصرين معاً وإن كان الاعتبار ببصر واحد.
وكذلك أيضاً إذا أثبت إحدى الجزازات الصغار في موضع مقابل للبصر أبعد من طول اللوح وجعلها مواجهة للبصر وحدق إليها بالبصرين جميعاً، وجعل الجزازة الأخرى مائلة عن تلك الجزازة إلى جهة اليمين أو جهة الشمال ونصبها على سمت المواجهة، فإنه يجدها أضعف بياناً.
ثم إن تقدم إلى محرك يحرك الجزازة الثانية ويبعدها قليلاً قليلاً عن الجزازة التي يحدق إليها، فإنه يجد الكلمة التي في الجزازة المتطرفة كلما تباعدت عن الجزازة الثانية ازدادت صورة الكلمة التي فيها اشتباهاً إلى أن تخفى صورة الكلمة فلا يفهمها. وكذلك إذا اعتبر هاتين الجزازتين ببصر واحد فإنه يجد الحال كذلك.
فيتبين من جميع هذه الاعتبارات أن أبين المبصرات من جميع الأبعاد هو الذي يكون على سهم الشعاع، وأن ما قرب من السهم يكون أبين مما بعد، وان المبصر البعيد عن السهم بعداً متفاوتاً يكون مشتبه الصورة ولا يتحقق البصر صورته كان الإبصار ببصر واحد أو كان بالبصرين جميعاً، وأن المبصر أيضاً المواجه للبصر يكون من جميع الأبعاد أبين من المبصر المائل، وانه كلما قرب وضع المبصر من المواجهة كان أبين مما بعد عنها، وأن المبصر المائل على خطوط الشعاع ميلاً متفاوتاً تكون صورته مشتبهة اشتباهاً شديداً ولا يتحققها البصر، كان الإبصار ببصر واحد أو كان بالبصرين جميعاً، كان المبصر على السهم أو كان خارجاً عن السهم.
فأما لم صار المائل المسرف الميل مشتبه الصورة مع اعتدال بعده ومع إدراك عظمه على ما هو عليه، ولم صار المواجه أبين من المائل، فإن ذلك لأن المائل المسرف الميل تحصل صورته في سطح البصر مجتمعة من أجل ميله. لأنه إذا كان المبصر مسرف الميل كانت الزاوية التي يوترها عند مركز البصر صغيرة، وكان الجزء من البصر الذي تحصل فيه صورة ذلك المبصر أصغر بكثير من الجزء من البصر الذي تحصل فيه صورته إذا كان مواجهاً للبصر، وتكون أجزاؤه الصغار توتر عند البصر زوايا غير محسوسة من أجل فرط ميلها، لأن الجزء الصغير إذا كان في غاية الميل انطبق الخطان اللذان يخرجان من مركز البصر إلى طرفيه وصارا بمنزلة الخط الواحد ولم يدرك الحاس الزاوية التي فيما بينهما ولا الجزء الذي يفصلانه من سطح البصر.
فالمبصر المسرف الميل تكون صورته التي تحصل في البصر مجتمعة اجتماعاً متفاوتاً، وتكون أجزاءه الصغار غير محسوسة، فلذلك تكون صورته مشتبهة. فإذا كان في المبصر الذي بهذه الصفة معان لطيفة لم يدركها البصر لخفاء أجزائها الصغار ولاجتماع الصورة. والمبصر المواجه بخلاف هذه الحال، لأن المبصر المواجه تكون صورته التي تحصل في البصر مرتبة على ما هي عليه في سطح المبصر، وتكون أجزاؤه الصغار التي يمكن أن يدركها البصر بينة. وإذا كانت الأجزاء الصغار من المبصر بينة وحصلت أجزاؤه مرتبة في سطح البصر كترتيبها الذي هي عليه في سطح المبصر، كانت صورته بينة غير مشتبهة.
وبالجملة فإن المعاني اللطيفة والأجزاء اللطيفة وترتيب أجزاء المبصر ليس يدركها البصر إدراكاً محققاً إلا إذا انتقشت الصورة في سطح العضو الحاس وحصل كل جزء منها في جزء محسوس من سطح العضو الحاس. وإذا كان البصر مائلاً ميلاً متفاوتاً فليس تنتقش صورته في البصر وليس تحصل صورة كل جزء من أجزائه الصغار في جزء محسوس من البصر. وليس تنتقش صورة المبصر في سطح العضو الحاس وتحصل صورة كل جزء من أجزائه في جزء محسوس من البصر إلا إذا كان المبصر مواجهاً أو كان ميله يسيراً، وكان بعده مع ذلك من الأبعاد المعتدلة بالقياس إلى المعاني التي في ذلك المبصر.
فأما إدراك عظم المبصر المائل المسرف الميل على ما هو عليه إذا كان على بعد معتدل مع تفوت ميله، فإن ذلك ليس يدركه البصر من صورته نفسها التي تحصل في البصر فقط بل من قياس خارج عن الصورة، وهو من إدراكه لاختلاف بعدي طرفيه مع إدراكه لمقدار الصورة. فإذا أدرك البصر اختلاف بعدي طرفي المبصر المائل المسرف الميل، وأدرك تفاوت اختلافهما، تخيلت القوة المميزة وضع ذلك المبصر، وأدركت مقداره بحسب اختلاف بعدي طرفيه وبحسب مقدار الجزء الذي تحصل فيه الصورة ومقدار الزاوية التي يوترها ذلك الجزء عند مركز البصر، لا من الصورة نفسها فقط. والقوة المميزة إذا أدركت اختلاف بعدي طرفي المبصر المائل المسرف الميل، وأدركت ميله أحست باجتماع الصورة، فهي تدرك مقداره إذا أحست مقدار ميله لا بحسب مقدار الصورة بل بحسب وضعه. والأجزاء الصغار والمعاني اللطيفة التي تكون في المبصر ليس يمكن أن تدرك بقياس إذا لم يحس البصر بتلك الأجزاء ولا بتلك المعاني.
فاشتباه صورة المبصر المائل المسرف الميل إنما هو اجتماع صورته في البصر وخفاء أجزائه الصغار. وبيان صورة المبصر الواحد إذا كان على بعد معتدل إنما هو لانتقاش الصورة في البصر على ما هي عليه وإحساس البصر بأجزائه الصغار.
فقد تبينت العلة التي من أجلها صارت صورة المبصر المائل المسرف الميل مشتبهة وصورة المبصر المواجه بينة.
وإذا قد تبينت جميع هذه المعاني فلنشرع الآن في الكلام على أغلاط البصر ونبين عللها ونقسم أنواعها.